ملء الأرض ذهبا إذا كان قد تصدق به في دنياه، ولا يفيد ذلك في نجاته من عذاب النار، لأن الكفر يحبط أعماله ويمحو كل حسناته، فمن لم ترك نفسه في الدنيا وقسم عما يكدرها من ظلمات الكفر وأوضار الشرك- فلن ينفعها يوم مناقشة الحساب عمل وإن جلّ، ولا فضيلة وإن عظمت، إذ المعول عليه في ذلك اليوم هو الإيمان الصحيح بالله واليوم الآخر، والعمل الصالح الذي يرقى بصاحبه إلى حظيرة القدس في جوار الرب الرّحيم.
(وَلَوِ افْتَدى بِهِ) أي ولو افتدى به في الآخرة لا يقبل منه أيضا على تقدير أنه يملكه، ويريد أن يجعله وسيلة النجاة والمنقذ من العذاب، كما يعطى الناس الرّشا للحكام الظالمين ليزيلوا عنهم ما قد يحلّ بهم من العذاب.
ونحو الآية قوله تعالى: «فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» ذاك أن النجاة في هذا اليوم لا تكون مما يبذل، ولا بجاه ينفع، بل جعل أمرها موقوفا على صفاء النفس واستعدادها، فمن زكّاها بالإيمان مع العمل الصالح فقد أفلج، ومن دسّاها بالكفر وسبى الأعمال فقد خاب وخسر.
وصفوة القول- إنه لا طريق للافتداء على أىّ حال لو أريد ويرى بعض المفسرين أن الكلام من قبيل التمثيل، إذ لا حاجة إلى الذهب ولا إلى إنفاقه، إذ الأشقياء لا نصير لهم ينفق عليهم، والأولياء في عنى يفضل الله ورحمته عمن ينفق عليهم.
(أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يدفعون العذاب عنهم أو يخففونه كما كانوا ينصرونهم في الدنيا إذا حاول أحد أذاهم أو إيقاع المكروه بهم.